بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وعلى آله وصحبه وسلم.
ما حكم الشرع في قتل الوزغ (البرص) وهل ورد فيه أحاديث صحيحة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي صحيح البخاري عن أم شريك رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ، وقال: " وكان ينفخ على إبراهيم عليه السلام".
وفي صحيح ابن حبان أن مولاة لفاكه ابن المغيرة دخلت على عائشة رضي الله عنها فرأت في بيتها رمحاًً موضوعة، فقالت: يا أم المؤمنين ما تصنعين بهذا ؟ قالت: نقتل به الأوزاغ، فإن نبي الله أخبرنا أن إبراهيم لما ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه ،إلا الوزغ، فإنه كان ينفخ عليه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله.
وفي مسند أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الوزغ فويسق"
وفي المسند وصحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قتل وزغة في أول ضربة كتب له مئة حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة"،
وهذه الأحاديث منها ما هو في صحيح البخاري، ومنها ما هو في صحيح مسلم، ومنها ما في غيرهما.
إن رواية نفخ الوزع في النار على إبراهيم عليه السلام، الأقرب أنها لا تثبت مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد بين هذا بالتفصيل الأستاذ الدكتور حاكم المطيري -أستاذ الحديث بجامعة الكويت- في بحث له منشور في الشبكة العنكبوتية.
قال فيه: والصحيح في حكم الوزغ هو ما رواه مسلم وقدمه في الباب احتجاجا، من حديث أم شريك (أنها استأمرت النبي صلى الله عليه وسلم، في قتل الوزغان فأمر بقتلها) .. ورواه البخاري رقم ٣٣٠٧ ومسلم عنها بلفظ (أن النبي ﷺ أمرها بقتل الأوزاغ).
فهذا هو الصحيح أن أم شريك استأذنت النبي ﷺ في قتله، لما يخشون من ضرره وإفساده للأطعمة في البيوت، وهو أحد السميات -كما هو معلوم- فأذن لها النبي ﷺ بذلك، كما أذن بقتل الفأرة والحية والعقرب ونحوها من الفواسق التي يخشى من ضررها ..
وأما زيادة عبيد الله بن موسى عن ابن جريج، عن عبد الحميد بن جبير، عن سعيد بن المسيب، عن أم شريك -رضي الله عنها- في آخره - كما في البخاري رقم ٣٣٥٩ -(أمر بقتل الوزغ، وقال: كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام).
فليس هذا التعليل من كلام النبي ﷺ في حديث أم شريك، وإنما من كلام ابن جريج، ولهذا قال الراوي (وقال) يعني ابن جريج .. فقد رواه ابن عيينة وغيره عن عبد الحميد، ولم يذكروا هذه الزيادة..
كما رواه أيضا الحفاظ من أصحاب ابن جريج: يحيى بن سعيد القطان، وابن بكر، وروح، كلهم عن ابن جريج، ولم يذكروا هذه الزيادة..
كذا رواه أحمد في المسند عنهم رقم: ٢٧٣٦٥ ، وكذا رواه الدارمي رقم: ٢٠٤٣ عن أبي عاصم عن ابن جريج.. وهذا هو الصحيح في كتاب ابن جريج الجامع..
وقد شك البخاري في روايته هذه بالزيادة فقال: (حدثنا عبيد الله بن موسى، أو ابن سلام عنه أخبرنا ابن جريج ..).
فلا تقوى هذه الرواية على معارضة رواية الجماعة عن ابن جريج، فإن صحت فيكون التعليل من كلام ابن جريج سمعه منه عبيد الله بن موسى، وليس هو في أصل كتابه الجامع الذي رواه عنه الناس..
وهذه الزيادة (كان ينفخ على إبراهيم)
إنما يرويها ابن جريج من حديث عائشة، كما في مسند أحمد رقم: ٢٥٦٤٣ - حدثنا محمد بن بكر، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي أمية، أن نافعا، مولى ابن عمر أخبره أن عائشة أخبرته أن النبيﷺ قال: (اقتلوا الوزغ، فإنه كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام النار، قال: وكانت عائشة تقتلهن)..
والصحيح أن نافع إنما يروي هذا الحديث عن سائبة مولاة للفاكه بن المغيرة، أنها دخلت على عائشة، فرأت في بيتها رمحا موضوعا، فقالت: يا أم المؤمنين! ما تصنعين بهذا الرمح؟
قالت: نقتل به الأوزاغ، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا: فذكره..
كذا رواه جرير بن حازم عن نافع، كما عند أحمد رقم: ٢٤٥٣٤، ورقم: ٢٤٧٨٠، وابن ماجه رقم: ٣٢٣١، وابن حبان في صحيحه رقم: ٥٦٣١، وقد رجح رواية جرير هذه الدارقطني في العلل رقم: ٣٧٨٩.
وسائبة هذه مولاة مجهولة لم يرو عنها إلا نافع، وتفردت بهذا الحديث عن عائشة، ولا يقبل منها مثل هذا التفرد لو كانت معروفة فضلا عن أن تكون مجهولة!
ومما يؤكد عدم صحة حديثها عن عائشة مرفوعا إلى النبي ﷺ، ما رواه البخاري ومسلم عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة -رضي الله عنها- (أن رسول الله ﷺ ، قال للوزغ: فويسق. ولم أسمعه أمر بقتله)!
فهذا أصح مما روت سائبة عنها، وقال ابن حجر في الفتح ٦/ ٣٥٤ (والذي في الصحيح أصح، ولعل عائشة سمعت ذلك من بعض الصحابة، وأطلقت لفظ أخبرنا مجازا)!
قلت: وهذا تكلف للجمع بين أصح إسناد، وأضعف إسناد! .اهـ.
والعلة الصحيحة لمشروعية قتل الوزع هي ما في الوزغ من ضرر وخبث، شأنه شأن سائر الفواسق التي جاء الشرع بالأمر بقتلها
Related posts
No comments: